لا أدري كيف أرد جميلاً أدلاه لي والداي عندما منحوني الضوء الأخضر منذ صغري بأن أعمل ..
مررت بعدة فترات ومراحل منذ صغري من المرحلة الإبتدائية حتى اليوم ..
كانت أول تجربة هي بسطة المساويك عند إحدى بوابات الحرم النبوي الشريف، والتي بدأت العمل فيها في الخامس ابتدائي، وكان رأس مالي 200 ريال اقترضته من والدتي حفظها الله ومتعها الله بالصحة والعافية ..
مررت بعدة مراحل وتجارب من بسطة المساويك في شهر رمضان المبارك لبضعة أيام، ورجعت فيها بأقل من رأس مالي الذي اقترضته من والدتي ..
وتجربة أخرى في بيع الألعاب النارية بـ عيد الفطر المبارك والألعاب العادية، ولا زلت أتذكر تلك الشنطة التي كانت مليئة بالألعاب النارية الصغيرة والتي سرعان ما تنتهي في أول يوم من أيام الفطر المبارك، وكان زبائني من الأقارب وغيرهم من جيران بيتنا أو بيت جدي رحمه الله الذي نتجمع فيه كل عيد ..
وفي سفرة لسفراتي للأردن بالإجازة الصيفية، تعرفت على طريقة تركيب العطور، ثم رجعت بالمواد الأولوية لأقوم بعملية تركيب وخلط العطور لتصبح لدي خلطاتي الخاصة لأستخدمها شخصياً، وجزء آخر أسوق لبضاعتي وبيعها على الأقارب لمن أراد من خلطاتي الخاصة .. وبعض الخلطات التي كنت أصنعها وأبيعها بـ 4 أضعاف ما تكلفني وكانت دفعة قوية جداً لي بفضل الله ..
في ذلك الوقت كنت أعشق دهن العود إلا أن سعره كان مرتفعاً بالنسبة لمصروفي المتواضع، وكنت أعمل على أن اطلب من البائع أن يضع لي بالعود على ثوبي أو شماغي لأجرب كيف تكون رائحته عندما يهدأ، ومن ثم أذهب لمن حولي من الكبار لأقنعهم بشراء هذا العود، وبكل تأكيد أنا من أزودهم ومن ثم أكسب من شرائهم، لأخرج بـ تولة عود مجانية لي ..
في الأول ثانوي كان انتقالنا من المدينة النبوية لمدينة الرياض بسبب انتقال عمل فضيلة والدي للرياض، وفي أول سنة لم أكن أعرف إلا القليل بالرياض، وكنت أمر بمرحلة طفش، إلا أن بعد فترة بسيطة وجدت لوحة على باب مسجد الحي (جامع بشمال الرياض بحاجة لمدخل بيانات)، وكنت بفضل الله أجيد التعامل مع الكمبيوتر والإدخال وغيره، مما دفعني مباشرة لأتصل بالرقم وسألته عن تفاصيل العمل، وبعد التفاوض أخبرني أن العمل 4 أيام في الأسبوع فترة العصر مقابل مكافأة قدرها 770 ريال شهرياً، واخبرته بالموافقة المبدأية، إلا أنني أخبرته احتاج أن أخبر والداي واستأذن منهم. وما كان جوابهما إلا؛ استخر وتوكل على الله ..
بقيت في الحلقات مدة سنتين، من مدخل بيانات لحلقات، إلى أن تطور الأمر لعدة مراحل ومتابعة الطلاب والموظفين والموظفات لحلقات ودارين نسائية بفضل الله، واكتسبت مهارة كبيرة جداً في هذه الفترة من تطور في الحديث والأسلوب والعمل والتنظيم والترتيب، وكتابة الخطابات، والاتصال على أولياء الأمور لأخبرهم بدفع الرسوم، وغيرها .. وكان من المواقف الطريفة عند بداية عملي لم استطع أن أتحدث مع ولي أمر طالب لأخبره بدفع الرسوم وكنت اقفل سماعة الهاتف، إلا أن هذا الحاجز سرعان ما حطمته بفترة بسيطة في عملي .. جدير بالذكر أنني من بداية الصف الأول الثانوي أصبحت مستقلاً بمصروفي نظراً لعملي في الحلقات، بالإضافة لبعض الصفقات البسيطة من العود أو العطورات وغيرها من الأشياء البسيطة ..
توقفت عن العمل في الصف الثالث الثانوي للأسف بحجة التركيز على الدراسة، وتلك السنة هي آخر سنة كان يطبق فيها اختبارات وزارة التربية والتعليم للثانوية العامة ..
في نهاية الفصل الدراسي الثاني من الصف الثالث الثانوي، كنت عملت تطوعاً عرض بوربوينت صغير متواضع لإجتماع عمومي لجمعية علمية كان بطلب من فضيلة والدي، وذهبت بنفسي للإجتماع لأكون أنا من يحرك الشرائح مع المتحدثين. ثم بعد فترة بسيطة وصلني أول شيك باسمي وقيمته 400 ريال، وبالأساس عملت متطوعاً وليس لأستلم مبلغ مقابل عملي، إلا أنها كانت مكافأة منهم ..
بعد الإنتهاء من الثانوية، وفي الإجازة الصيفية، طلبتني الجمعية نفسها لأعمل لديهم في متابعة الأمور التقنية للجمعية والموقع الإلكتروني، وعادة الجمعيات الخيرية ينتهي الموظف بأن يكون البتاع كله في المكتب 🙂 .. وبقيت في هذا العمل مدة سنة ونصف، كانت من أروع التجارب وأيام حياتي واكتسبت فيها الكثير بفضل الله، ومن ثم توقفت حال دخولي للجامعة ودراستي في تخصص علوم الحاسب ..
مرحلة الجامعة كانت عبارة عن طرق مختلفة ومسارات عديدة جديدة، وبإذن الله أذكرها بالتفصيل.
ما سبق مختصر بسيط متواضع بتجارب شخصية للعمل مررت فيها بحياتي خلال دراستي من الإبتدائية إلى ما قبل الجامعة، كتبتها هنا مختصرة وسألحق التفصيل في تدوينات لاحقة، إلا أنني أريد أن أذكر لك بعضاً مما تعلمته في تلك المرحلة والتجارب؛
1) عندما سمحا لي والداي للعمل، اتذكر تلك الجملة “أن العمل ليس لكسب المال في الدرجة الأولى فقط، بقدر ما يهم أن تتعلم وتكتسب الخبرة والتعامل مع الناس”.
2) الحياة العملية علمتني الكثير من الأشياء التي يستحيل أن أجدها على مقاعد الدراسة.
3) الإنسان لديه طاقات كامنة قوية وجبارة، لن يعرفها إلا بالعمل والتجارب والممارسة وسيكتشف يوماً بعد يوم الكثير، فقط يحتاج لقليل من الثقة والتشجيع.
4) تطوير نفسك ومهارتك واكتساب الخبرة في الصغر بالعمل يعادل أضعاف مضاعفة الخبرة التي تكتسبها وأنت كبيراً في سن الرشد بعد أن واجهت مختلف أنواع السلبيات والإحباطات.
5) كنت مستعد ومتقبل للفشل، وابحث عن التجارب يوماً بعد يوم، وكنت أرى أن العمر أمامي لأجرب الكثير، فلا خسارة من الفشل بل هي تجربة جميلة.
6) بفضل الله كنت متفوقاً في دراستي من الأوائل، وتلك الأعمال كانت هي الدافع لتنظيم الوقت بشكل أفضل، وبكل تأكيد كان هناك الكثير من الوقت للمتعة.
7) بفضل كنت مستمراً في حفظ القرآن الكريم ومراجعته من خلال حلقات التحفيظ، والمرحلة الثانوية كنت مع مدرس خاص للموظفين، فلم تكن الأعمال مع الدراسة عبئاً على مواصلة المراجعة والحفظ للقرآن الكريم، وشرفني الله بأن أختم القرآن في الصف الثاني ثانوي ..
8) الإنجازات والتطوير وبناء الشخصية التي اكتسبتها بفضل الله هي التي اكسبتني الثقة في أيامي الحالية، فأصبح أي رفض أو اعتراض أو مواجهة سلبية أواجهها بين نفسي تلقائياً بترديد كلمات؛ لقد عملت الكثير من قبل وأستطيع أن أعمل هذه بتوفيق الله وقوته ..
9) خرجت من هذه الفترة بأنني لم أدخر أي مبلغ لجهلي بالإدخار والتوفير في تلك الفترة، إلا أنني بعدها كانت أول خطوة لتعلمي للإدخار والتوفير من أجل التخطيط والتنظيم.
10) اكتسبت وضوح في الرؤية بشكل أفضل بناء على الخبرات السابقة، وعليه أصبحت أحدد الكثير مما أريده اليوم بفضل الله.
11) في كل مرة أتذكر حياتي اشكر الله أن رزقني بوالدين هم من شجعاني على العمل بدون قيود، وأحمد الله على ما توصلت له ..
والكثير بفضل الله ..
ومضة؛
ربما يخطر في بالك أن والدي ووالدتي من إحدى عوائل كبار رجال الأعمال، إلا أن الحقيقة مختلفة، ففضيلة والدي أكاديمي منذ أن نشأ في طلب العلم الشرعي وتخصص في علوم الحديث الشريف، وهو أستاذ الحديث وعلومه أ.د. عاصم القريوتي @AlQaryooti .. متعه الله بالصحة والعافية ونفع به الإسلام والمسلمين، وَ والدتي الغالية/ بشرى الكاتب بارك الله في عمرها وصحتها، هي ابنة الشيخ الفرائضي/ عبدالصمد الكاتب رحمه الله .. فكلاهما من بيئة علمية شرعية ولم يكن للتجارة دور كبير في حياتهما، إلا أنهما كانا يؤمنان بأن يفتحوا المجال لابنهم ويمنحوا الثقة وبدعم وتشجيع مستمر ..
ختاماً؛
إذا كنت ولي أمر؛
فإني أحب أن أذكرك بمقولة للصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه “علموا أولادكم غير ما علمتم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم” .. جرّب أن تمنحهم الثقة ويتعلموا في سن البكور من الحياة بالعمل والدراسة، ولا تحكم عليهم حكمك القاتل بتجاربك الشخصية من حياتك السابقة ..
إذا كنت طفل/ طفلة/ شاب/ شابة/ رجل/ امرأة؛
ارجوك افعل شيئاً واعمل في يومك، مهما كان الأمر بأي صغيرة أو كبيرة، ولا يستلزم أن تكون تجني ثمار عملك اليوم مباشرة، واحمل نظرة ثاقبة بأن عملك للتعلم واكتساب خبرة أو مهارة جديدة تساعدك الكثير بإذن الله في مستقبلك .. ومن ثم ابحث عن التطوير بشكل أفضل ..
..
شكراً لزيارتك وقرائتك تدوينتي، ولك شكر خاص إن أحببت مشاركتها لمن تحب ..
اخي صفوان كم انت تثلج الصدر. وفقك الله لكل ما يحبه ويرضاه. كلي أمل بان أراك في يوم من الأيام من أكبر رجال الأعمال الذين يفتخر بهم الإسلام والمسلمين.
أخي الغالي/ ميثم ..
اللهم آمين، والله يسعدك ويبارك بوقتك أيامك، وترجع لنا سالماً غانماً يارب ..
ما شاء الله ، حفظك الله كلام رائع فعلا
اللهم آمين، وإياك يارب ..
نقاط مميزة من مدرسة الحياة ..
اعجبتني السيرة الذاتية منذُ البداية حينما كانت التجارة بالسواك .. رغم قلة المردود لكن كانت حافزاً لك في ممارسة التوجه الداخلي لك من تجارة جديدة وعمليات هندسية جميلة ..
حقا استمتعت بما قرات ..
وادعوا الله لك بالتوفيق المستمر والنجاحات المتوالية ..
تقبل مروري
أ. فوز ..
اللهم آمين يارب، شاكر لك مرورك ودعمك ..
صفوان ..
حقاً لو لم ألمس فيك ما ذكرته هنا في مدونتك المميزة لقلت إنها لمجرد حكاية تروى .!! ولكن نِعمَ القول و نِعمَ الفعل .
جميل ما مررت به في تجاربك وجميل ما تنشره هنا وهي نصيحة صادقة تبعثها للناس ..
تفاصيل مقتضبة تفي بغرض بعث الأمل والتفاؤل .. تحقيق الهدف بالتعلم المبكر هو جل ما ساهم ببناء شخصيتك ومهارتك ..
ألبسك الله لباس التفاؤل والعطاء الدائمين فيك صفوان .. ثق بأنك النجاح بعينه بلا مبالغة ..
وفقك الله لما يحب ويرضى و أكسبك بر والديك الكرام .. تحياتنا ودعواتنا لهما بالصحة و العافية ..
التوأم التي اقتاتت منك الكثير ومازالت .. هلا
أ. هلا ..
إن شاء الله اكون شيئاً مما قلتي عند حسن ظنك ..
الله يحفظك ويقويك يا رب ..
صديقي صفوان ..
كلامك هذا عن الماضي العصامي
يثبته لنا أفعالك ومهاراتك
فسيطرتك على نفسك بل حتى على أهواء النفس التي اذا وقع الشاب فيها بدأت تلعب به يمنة ويسرة دليل جبار انك تتمتع بروح عصامية.
وذكرتني بأيام بدايتي بالتجارة
حقيقة ..
من بدأ بالتجارة وهو صغير
فستكون حياته وعقليته اكبر من عقليات اقرنائه
أتمنى لك التوفيق ياصديقي ..
صديقي الغالي شرهان/
لا تقل شيئاً فمنك نتعلم الكثير والله، من أدبك وأخلاقك وتعاملك ..
وتمنياتي لك بوافر الحياة الهنية
مباركٌ لأهلك ب ابن مثلك..
و مباركٌ لك هذين الوالدين اللذين يتمتعان ب وسع مداركهم و وعيهم الواضح الذي صقل فيك الكثير من المهارات ( حفظهم الله )
و هذه ليست إلّا خطوات بسيطة نحو ما تصبو إليه من أهداف سامية بإذن الله
و أتمنى أنّ تنشر تجربتك الرائعة في كل مجلس تجلس فيه لتزرع في الشباب الهمّة و حُب العمل الذي وهبك إياه الله
سدد الله خطاك و كتب لك الخير فيما تعمل :”)
أختي رحيق /
الله يبارك بعمرك وأيامك يا رب ..
ووفقنا الله وياك لكل خير ..
ما شاء الله سرني يا صفوان ما قرأته من تجربتك الشجاعة، ولا عجب أن هذا الشبل من ذاك الأسد، فوالدك يكفي أنه عاصم القريوتي حفظه الله،، أما جدك العلامة عبد الصمد الكاتب فمن أقوى وأشجع من عرفت في علمه وحبه للحق، وقد أخذت عنه علم الفرائض في الجامعة الإسلامية، وفي مسجده في الحرة الشرقية بالمدينة رحمه الله رحمة واسعة.
وجعلك من مفاتيح الخير .
فضيلة أ.د. محمد ..
أسعدتني بقرائتك وتعليقك على لتدوينتي البسيطة، وهذا شرف لي ..
وفقكم الله لكل خير ..
عندما استشهد لزوجتي بالنشاط في إخوانها فإنك على راس القائمة دائما..
هذه التجارب التي خضتها بلا شك أنك استفدت منها… والحقيقة انك نشيط فعلا ما شاء الله تبارك الله وهو الذي دفعك لأن تعمل وتتعلم من عملك..
هنيئا لنا بك.. ووفقك الله في الدارين
تجربة تستحق التقدير والاحترام
انا مع ( التربية بالتجربة )
على ان يكون المربي ناصحا وليس ملقنا
بوركت اخي صفوان وبورك والديك على انجازهم الرائع
جميله جداً التدوينه استعرضت معها حياتي ..
من بيعي لعروض البور بوينت ف الثانوي و اكسسوارات الكروشيه و التدريس الخصوصي مع قليل من البرمجه و شيء من البحوث إلى بلوغي العمل الاكاديمي ف الجامعه 》 شطبنا الحياة من بدري ? اسم الله علينا ..
ما كان ينقصنا ثقافة الإدخار و لليوم لا أجيد التعامل مع المصروف ..
شكراً للتدوينه الرائعه ..
و واكب مسيرك ، من أُلهم حسن المسير ف الصغر ، زاحم العظماء ف الكبر ” و ربما قبل الكبر ..